المحتويات
1- المقدمة
2- ضرورة المؤتمر، أهميته والمتوقع منه
1-2 ضمان حقوق الإنسان
2-2 قيم الديمقراطية والدستور القادم
3-2 مبدأ فصل السلطات
4-2 مبدأ حياد الدولة
5-2 التمثيل في المؤتمر
6-2 إدارة المرحلة الانتقالية
3- خاتمة
1- المقدمة
بعد انتهاء نظام الأسد وتفكك ركائزه، أصبحـت سـوريا أمـام تحديـات كبيـرة للنهوض بالدولـة ومعالجـة الانقسـامات الكبيـرة بيـن مكونـات المجتمـع، عليه بات من الضروري عقد اجتماع وطني شامل يضم جميع السوريين على طاولة حوار واحدة، لمناقشة المخاوف المشتركة ووضع التصورات العملية للمرحلة المقبلة حتــى يصلــوا إلى شكل الدولة التي تضمن تحقيق قيم العدالة، الحرية، والديمقراطية.
إن الانهيار الســريع للنظــام يفــرض واقعــاً معقــداً يســتدعي التعامــل بحكمــة ومســؤولية.
ورغــم الهــدوء الحــذر الــذي ســاد بعــد الســقوط، إلا أن الســوريين لديهــم الكثيــر مــن التسـاؤلات والمخـاوف المشـروعة، ومـن بينهـا مسـألة الحقـوق والواجبـات وشـكل الدولـة ونظــام الحكــم.
عـاوة علـى ذلـك، أدى غيـاب الأطـر الدسـتورية والقانونيـة إلـى تحديـات فـي إدارة شـؤون الدولـة والحاجـة الملحـة إلـى حلـول قانونيـة واضحـة تتجـاوز الحلـول الإسـعافية الحاليـة التـي تفتقـر إلـى السـند القانونـي والدسـتوري.
كل مــا تقــدم يبــرر أهميــة عقــد مؤتمــر وطنــي، يؤســس لبنــاء دولــة عادلــة تتســع لجميــع أبنائهــا، وتقــوم علــى مبــادئ المســاواة والكرامــة الإنســانية وســيادة القانــون. ولهــذا يعقــد السـوريون الأمـل علـى المؤتمـر للإجابـة علـى تسـاؤلاتهم والوصـول الـى تصـور واضـح لشـكل الدولـة الـذي يلبـي مطامحهـم ويحمـي حقوقهـم.
2- ضرورة المؤتمر، أهميته والمتوقع منه
بالنظــر إلــى ضــرورة ســد الفــراغ الدســتوري ومــع مراعــاة التزامــات ســوريا القانونيــة بمبـادئ القانـون الدولـي، لاسـتعادة شـرعيتها باعتبارهـا دولـة عضـو فـي المجتمـع الدولي، يعبّـر المؤتمـر عـن أهميـة مناقشـة وسـائل تلبيـة المبـادئ القانونيـة التـي يتبناهـا القانـون الدولـي، وكذلـك العمليـة السياسـية ومتطلباتهـا نحـو الوصـول إلـى دولـة قانون ومؤسسـات قائمـة علـى احتـرام مبـادئ حقـوق الإنسـان، وتكريـس مبـادئ العدالـة والمسـاواة وسـيادة القانـون.
1-2 ضمان حقوق الإنسان
يمثل المؤتمر فرصة لإعادة سوريا إلى مكانتها الدولية كدولة تلتزم بضمان حقوق الإنسان بعــد الانتهــاكات الخطيرة التــي شــهدتها فــي عهــد النظام السابق.
وكانــت ســوريا قــد انضمــت إلــى الأمــم المتحــدة فــي 24 أكتوبــر 1945، وهــو التاريــخ الـذي دخـل فيـه ميثـاق الأمـم المتحـدة حيـز التنفيـذ، وكانـت مـن بيـن الـدول الخمسـين التـي شـاركت فـي مؤتمـر سـان فرانسيسـكو عـام 1945، حيـث تـم وضـع الميثـاق التأسيسـي للمنظمـة. وبصفتهـا عضـواً مؤسسـاً فـي الأمـم المتحـدة، كانـت سـوريا مـن الـدول التـي شـاركت فـي المناقشـات المتعلقـة بوضـع الإعـان العالمـي لحقـوق الإنسـان. وعلـى الرغـم مــن أن هــذا الإعــان ليــس وثيقــة ملزمــة قانونيــاً، إلا أنــه يُعتبــر أساســاً لمجموعــة مــن الاتفاقيــات والمعاهــدات الدوليــة المتعلقــة بحقــوق الإنســان، والتــي وقّعــت عليهــا ســوريا لاحقـاً.
أكــد الإعــان فــي ديباجتــه علــى تعــاون الــدول الأعضــاء مــع الأمــم المتحــدة لضمــان مراعـاة حقـوق الإنسـان والحريـات الأساسـية واحترامهـا. وهنـا لا بـد مـن الإشـارة إلـى أهميـة مراعـاة المـادة الثانيـة مـن الإعـان، وخاصـة عنـد مناقشـة شـكل الحكـم فـي سـوريا ومتطلباتـه، حيـث جـاء فيهـا: «لكلِّ إنسـان حقُّ التمتُّـع بجميع الحقـوق والحر ِّ يـات المذكورة فـي هـذا الإعـان، دونمـا تمييـز مـن أيِ ّ نـوع، ولا سـيما التمييز بسـبب العنصـر، أو اللون، أو الجنـس، أو اللغـة، أو الدِّيـن، أو الـرأي السياسـي وغيـر السياسـي، أو الأصـل الوطنـي أو الاجتماعـي، أو الثـروة، أو المولـد، أو أيِ ّ وضـع آخـر...
وفـي هـذا السـياق، لا بـد مـن التأكيـد علـى بعـض الحقـوق بشـكل خـاص ومميـز، مثـل الحق فـي المسـاواة أمـام القانـون دون تمييـز (٧)، وحر ِّ يـة الفكـر والوجـدان والدِّيـن، ناهيـك عـن الحـق فـي الحيـاة (٣)، والحـق فـي الشـخصية القانونيـة (٦). وكذلـك حريـة الـرأي والتعبيـر (19). وأيضـاً حقـوق الفئـات الأكثـر ضعفـاً فـي المجتمـع، مثـل النسـاء والأطفـال، بالإضافة للحـق فـي التنـوع واحتـرام الخصوصيـات والهويـات الثقافيـة. ععلى سبيل المثال، يجب أن يركز المؤتمر على تطوير استراتيجيات وطنية فعالة لتعزيز دور النساء وحمايتهم مــن التمييــز والعنـف، وضمـان حصـول الأطفـال علـى التعليـم والرعايـة الصحيـة المناسـبة، بمـا ينسـجم مـع اتفاقيـات حقـوق الإنسـان التـي وقّعـت عليهـا سـوريا.
كمــا أنــه يجــب تذكيــر المؤتمريــن بالاسترشــاد ومراعــاة العهــد الدولــي الخــاص بالحقــوق المدنيـة والسياسـية، والـذي وقعـت عليـه سـوريا عـام 1969، حيـث تلتـزم الـدول الموقعـة علـى هـذا العهـد بضمـان الحريـات والحقـوق المدنيـة والسياسـية الأساسـية، مثـل الحـق فـي الحيـاة، وحريـة التعبيـر، والحـق فـي محاكمـة عادلـة، ومنـع التعذيـب والمعاملة الاإنسـانية، وحريـة الفكـر والديـن.
بالإضافـة إلـى مـا سـبق، يجـب الاسترشـاد باتفاقيـات حقـوق الإنسـان الأخـرى، مثـل اتفاقيـة القضـاء علـى جميـع أشـكال التمييـز ضد المـرأة (1979)، واتفاقيـة حقوق الطفـل (1989).
2-2 قيم الديمقراطية والدستور القادم
تكريس قيم الديمقراطية وربطها بالممارسة السياسية والمناقشات الخاصة بالشأن العام وصياغة الدستور القادم.
ساهمت الأجهزة الأمنية غير الشرعية في تقويض العمل السياسي والهيمنة على النقاشات العامة في العقود الماضية في تقويض دعائم الديمقراطية وهدم أسس المشاركة الشعبية في صناعة القرار، مما أدى إلى ضعف أداء الأحزاب، وانعكس بدوره على مجلس الشعب الذي استخدم كغطاء شكلي لممارسات السلطة.
وفي هذا السياق، نشجع على خلق بيئة سياسية أكثر انفتاحاً وشفافية وتسهيل الديمقراطية التداولية، مما يساهم في المشاركة في القرارات عن طريق الحوار والتفاهم المتبادل، مما يعزز شرعية الحكم وثقة المواطنين بالنظام الديمقراطي.
كما نوصي المشاركين في المؤتمر بالتأكيد على ترسيخ المشاركة الشعبية في الشؤون العامة، على أساس الجمع بين الديمقراطية التشاركية، التي تُركز على إشراك المواطنين بشكل فعّال ومباشر في صنع القرارات بدلاً من الاقتصار على انتخاب ممثلين عنهم، وتسهم في تعزيز مشاركة المواطنين في عملية صنع القرار عبر آليات متعددة، مثل الاستفتاءات واللجان الشعبية والاجتماعات المجتمعية، والديمقراطية التمثيلية، التي تعتمد على انتخاب ممثلين عن الشعب يتخذون القرارات نيابة عنهم، حيث يمارس المواطنون السلطة السياسية من خال التصويت في الانتخابات، بما يعزز المساءلة والشفافية.
نوصي أيضا بالبدء في إدخال التكنولوجيا الحديثة في العمليات الديمقراطية، مثل التصويت الإلكتروني أو المنصات الرقمية للتشاور مع المواطنين، لتعزيز المشاركة وزيادة كفاءة صنع القرار.
3-2 مبدأ فصل السلطات
التأكيد على مبدأ فصل السلطات، والذي يضمن التوازن ما بين مؤسسات الحكم ويمنع تركيز السلطة في يد واحدة.
يعد مبدأ فصل السلطات أحد الضمانات الأساسية لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم من أي انتهاك. وفي ذات السياق، فا بد من التأكيد على استقال القضاء وتفعيل دور المحكمة الدستورية العليا في الرقابة على دستورية القوانين والبت في الطعون الانتخابية دون أي شبهة في التبعية للسلطة أو محاباة للحاكم. كونشدد على أهمية تفعيل دور مجلس الدولة في مراقبة أي تجاوزات للسلطة التنفيذية والتعسف في اتخاذ القرارات الإدارية
4-2 مبدأ حياد الدولة
مفهوم الدولة الحديثة باعتبارها ملكاً لجميع مواطنيها الذين يحملون جنسيتها، يقتضي ان تكون حيادية وعلى مسافة واحدة من الجميع، ويجب أن يظهر هذا الحياد بشكل واضح في دستور الدولة، استنادًا إلى ضمان المعاملة المتساوية لجميع المواطنين دون تمييز على اساس حزبي، او مذهبي او عرقي او غيره. ومن الضروري عدم الخلط بين مفهوم الدولة ومفهوم المجتمع، فحياد الدولة يقتضي ان تتخذ موقف ايجابي من جميع المواطنين، بشكل لا يحرم المجتمعات من حريتها الدينية والثقافية. وحياد الدولة يضمن المساواة الكاملة بين المواطنين، ويمنع أي تحيز قد يهدد حقوقهم وحرياتهم. وان كان المجتمع متدين، لا يعارض حياد الدولة ودورها تجاه جميع مواطنيها، وهذا يفترض الولاء للدولة أولاً وأن تبقى الهوية الوطنية المرتبطة بجنسية الدولة وليس بدينها، هي المعيار الأساسي للمواطنة، مما يعزز التماسك الوطني ويتافى التمييز والاستبعاد.
إن مبدأ حياد الدولة يفترض أيضاً احترام حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية، وهو ما ينعكس إيجابًا على تعزيز السام المجتمعي، خصوصًا في مرحلة ما بعد الصراعات الممتدة. عاوة على ذلك، فإن ربط الدولة بدين معين يُعد انتهاكًا للمبادئ الدستورية والقانون الدولي، حيث يفرض قيودًا على حقوق أتباع الديانات الأخرى ويُضعف مبدأ المساواة الذي يُعد جوهر المواطنة. بناءً على ذلك، فإن حياد الدولة تجاه الدين لا يُعتبر فقط التزامًا قانونيًا ودستوريًا، بل شرطًا أساسيًا لتحقيق دولة عادلة ومستقرة ومتقدمة.
5-2 التمثيل في المؤتمر
نظراً لغياب الانظمة والتشريعات التي تنظم عملية انتخاب ممثلين عن الشعب لتمثيلهم في المؤتمر، وعدم امكانية التمثيل القانوني السليم، فإننا نرى ان يتم اختيار الممثلين بتوافقات محلية، بحيث يحقق تمثيل عادل من قبل الأحرار الذين ساهمت تضحياتهم وصوتهم في اسقاط نظام الطاغية، بالإضافة للشباب اصحاب الحق في بناء رؤية لمستقبلهم، وأيضا النساء، والاكاديميين المختصين. في عملية اختيار الممثلين، نوصي باعتماد طريقة ترشيح تعكس الوعي لأهمية التمثيل، وتأخذ بعين الاعتبار وظيفة ودور الممثل ومسؤولياته وكفاءته، وتعميم ثقافة الشفافية والمسائلة والمبادرة، وهذا يقتضي من المرشحين تقديم رؤيتهم واثبات كفاءتهم، وعدم قبول عملية الترشيح لأخرين بطريقة لا تعكس المستوى المطلوب من الوعي. وكما يمكن اشراك النقابات والجمعيات في تنظيم عمليات الترشيح والانتخاب، وخصوصاً نقابات المحامين، والاستفادة من خبرتهم التنظيمية.
6-2 إدارة المرحلة الانتقالية
لعل أهم الفوائد القانونية المنتظرة للمؤتمر هي الخروج بصيغة قانونية يمكن من خلالها تسيير شؤون الدولة إلى حين اعتماد دستور جديد. ويمكن أن يتم ذلك من خلال إعلان دستوري مؤقت أو مراسيم اشتراعية تُنظّم عمل السلطات خلال الفترة الانتقالية، على أن يوضح الإعلان المؤقت هيكلية السلطة المؤقتة (مجلس حكم انتقالي أو حكومة مؤقتة)، ويبين صلاحيات السلطات التنفيذية، التشريعية، والقضائية بشكل واضح.
إضافة إلى ذلك، يُعد تحقيق المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية إحدى الركائز الأساسية لضمان الأمن والاستقرار المستدامين خلال المرحلة الانتقالية. فالتجارب الدولية، مثل تجربة جنوب إفريقيا بعد نظام الفصل العنصري وتجربة رواندا بعد الإبادة الجماعية، أثبتت أن معالجة مظالم الماضي من خلال آليات العدالة الانتقالية، مثل لجان الحقيقة والمصالحة أو المحاكم المختصة، تُسهم في بناء الثقة بين الأطراف المختلفة وتعزيز السلم المجتمعي. لذلك، يُوصى بإدراج مبادرات العدالة الانتقالية ضمن جدول أعمال المؤتمر، بما يشمل ضمان حق الضحايا في الوصول إلى العدالة وتعويضهم، مع التركيز على الكشف عن الحقائق والمساءلة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز العدالة الانتقالية سيُشكل خطوة محورية في معالجة جذور النزاعات والانقسامات المجتمعية، مما يهيئ البيئة المناسبة لتبني دستور يعكس إرادة الشعب بأسره.
ولضمان نجاح المصالحة الوطنية، يمكن للمؤتمر الدعوة الى التعاون مع خبراء دوليين في مجال العدالة الانتقالية، والاستفادة من الأدوات القانونية التي طُورت في إطار القانون الدولي الإنساني وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
ويجب أن يقترن هذا الإعلان بجدول زمني محدد لإعداد دستور دائم وانتقال السلطة عبر انتخابات حرة. كما يُوصى بدعوة ممثلين من المجتمع الدولي لدعم المرحلة الانتقالية من خلال تقديم المساعدة الفنية، وضمان نزاهة العمليات الانتخابية.
إلى جانب ذلك، ينبغي تنظيم المؤتمر بشكل يضمن الشفافية والوضوح في جميع مراحله، بدءًا من إعداد جدول أعمال مفصّل وواضح، يتضمن الموضوعات المطروحة للنقاش وتخصيص وقت كافٍ لكل موضوع لتغطيته بعمق، وانتهاءً بتوثيق النتائج ومتابعة تنفيذها. كما يجب أن تُتاح الفرصة لجميع المشاركين للتعبير عن آرائهم بحرية في إطار مُنظم يضمن الاحترام المتبادل والجدية.
كما يُستحسن أن تُبث جلسات المؤتمر مباشرة عبر القنوات الرسمية، مع توفير آليات شاملة لتوثيق النقاشات وتحليلها بدقة لاستنتاج توصيات ونتائج بشكل صحيح وعادل.
3- خاتمة
يقف السوريون اليوم أمام حدث تاريخي يترتب عليه تغيير جذري في النظام السياسي والاجتماعي. الأمر الذي يسلتزم صون الوحدة الوطنية وتدعيم ركائزها كحاجة ملحة وأولوية لاغنى عنها لإعادة بناء الدولة على أسس قوية ومستدامة. إن الإيمان بقيم العدالة والحرية والمساواة يجب أن يكون الركيزة الأساسية لأي مشروع وطني، حيث تشكل هذه القيم الإطار الذي يضمن حقوق جميع الأطياف ويعزز التعايش المشترك بين أبناء الوطن. تحقيق هذه الأهداف يتطلب التكاتف والعمل الجماعي، بعيدًا عن أي انقسامات أو تعصبات، مع التركيز على بناء مستقبل يضمن الكرامة والأمان لكل فرد في سوريا.
ملتقى الآراء التخصصية
٨ـ١ـ٢٠٢٥